مستهدفة القطاع الصحي.. إسرائيل تسعى لبتر «أيادي الإنقاذ» في قطاع غزة
وسط قتل وتعذيب الأطقم الطبية
تتعمد إسرائيل استهداف المستشفيات والنظام الصحي في غزة، فيما اعتبره البعض محاولة لبتر أيادي المساعدة والإنقاذ للمصابين والجرحى، حيث تقوم بقتل وتعذيب العاملين في المجال الطبي، لتمنع قبلة الحياة وتخنق جميع من في القطاع.
وقال محققون في اللجنة الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، إن إسرائيل نفذت سياسة منظمة لتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، متهمين قوات الاحتلال بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".
وأشارت اللجنة الأممية إلى تعمد الهجوم على العاملين في القطاع الصحي والمرافق الطبية، حيث تقتل إسرائيل عمدا وتحتجز وتعذب أفرادا من الطاقم الطبي، وتستهدف المركبات الطبية في غزة، وتقيد التصاريح لمغادرة القطاع لتلقي العلاج الطبي.
وقالت رئيسة اللجنة والمفوضة السابقة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، نافي بيلاي، في بيان: "يجب على إسرائيل أن توقف على الفور تدميرها العشوائي غير المسبوق لمرافق الرعاية الصحية في غزة".
وأضافت بيلاي أن "إسرائيل تستهدف بهذا الإجراء الحق في الصحة في حد ذاته، ما يخلف آثاراً ضارة كبيرة وطويلة الأمد على السكان المدنيين، ومثل هذه الأفعال تشكل جرائم حرب عديدة وجريمة ضد الإنسانية تتمثل في الإبادة".
وأكدت أن تصرفات إسرائيل تسببت في معاناة لا يمكن تقديرها بين الأطفال المرضى، وأنها أدت إلى تدمير أجيال من الأطفال الفلسطينيين، وربما الشعب الفلسطيني كمجموعة، حيث كانت قوات الاحتلال تقتل المصابين الذين كانوا يتصلون بالإسعاف بجانب عمال الإنقاذ التابعين للهلال الأحمر.
تدمير البنية الصحية
تستهدف إسرائيل تدمير البنية التحتية الطبية من خلال العمليات العسكرية المتكررة، إذ تتعرض المستشفيات والعيادات الطبية للقصف، ما يؤدي إلى تدمير المعدات الطبية الحيوية وصعوبة توفير العلاج للجرحى والمرضى.
وتبرز أزمة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية كنتيجة للحصار الإسرائيلي، ومنع دخول العديد من الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية إلى القطاع، ما يؤدي إلى نقص خطير في الأدوية الضرورية مثل المضادات الحيوية، وأدوية السرطان، وأدوية الأمراض المزمنة.
وعادة ما يكون العاملون في المجال الطبي عرضة للخطر أثناء تقديمهم المساعدة للجرحى، ما يؤدي إلى نقص في الطواقم المدربة جراء إصابة واستشهاد الطواقم الطبية.
وفي ظل الانقطاعات المتكررة للكهرباء، تضطر المستشفيات والمراكز الصحية إلى الاعتماد على مولدات الطاقة القديمة وغير الموثوقة لتشغيل المعدات الطبية الضرورية مثل أجهزة التنفس الاصطناعي وأجهزة العمليات وغيرها.
ومنذ بدء الحرب قبل عام، تمنع إسرائيل دخول العديد من الأجهزة الطبية الحديثة وقطع الغيار اللازمة لصيانتها، إلى جانب منع دخول المستلزمات الطبية، ما يعرقل تحسين الخدمات الطبية.
وساهمت هذه الأوضاع المعقدة في هجرة الكوادر الطبية المؤهلة، بسبب تدهور الأوضاع، حيث يبحث العديد من الأطباء والممرضين عن فرص عمل خارج القطاع، ما يترك المستشفيات تعاني من نقص في الطواقم الطبية المؤهلة، وفق تقارير إعلامية محلية.
وأدت إلى زيادة انتشار الأمراض والأوبئة، بسبب نقص الرعاية الصحية وعدم القدرة على علاج الأمراض بفاعلية، حيث زادت معدلات الأمراض المزمنة والمعدية في القطاع.
ويشكل التدمير المستمر للبنية التحتية الطبية والحصار المطبق على القطاع تهديداً كبيراً لصحة السكان في غزة، ما يزيد من معاناتهم اليومية ويجعل من المستحيل تقريباً توفير الرعاية الصحية اللائقة.
ويعد استهداف إسرائيل للمستشفيات والمراكز الصحية جزءا من الحملات العسكرية التي تشنها ضد القطاع خلال النزاعات المتكررة، والذي يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني الذي يحمي المنشآت الطبية والطواقم الطبية حتى في أوقات الحرب.
ومع ذلك، تبرر إسرائيل هذه الهجمات بدعوى أن الفصائل الفلسطينية المسلحة تستخدم المستشفيات أو المناطق المحيطة بها لأغراض عسكرية، وهو ما تنفيه السلطات الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان مرارا.
أبرز الاستهدافات
وخلال عام من الحرب على غزة، تعرضت عدة مستشفيات إلى القصف العنيف، بما في ذلك مستشفى الوفاء الذي يقع في حي الشجاعية، حيث ادعت إسرائيل أن المستشفى كان يُستخدم من قبل حركة "حماس" لتخزين الأسلحة، ولكن الطاقم الطبي نفى ذلك، قبل أن تدمر الغارات الجوية الإسرائيلية المستشفى بالكامل، كما تعرض مستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة، لقصف قرب محيطه، ما أثار قلقاً كبيراً حول سلامة المدنيين الذين لجؤوا إلى المستشفى بحثاً عن الأمان.
خلال التصعيد العسكري، تم استهداف مناطق قريبة من المستشفيات والمرافق الطبية، حيث تعرض المستشفى الإندونيسي في أحد الحوادث إلى أضرار جراء قصف جوي على منطقة مجاورة، ما أثر سلبا على قدرة المستشفى على توفير الرعاية اللازمة للجرحى.
في عدة أحداث دامية، تم استهداف مراكز صحية ومستوصفات في أنحاء غزة، ما ساهم بشكل رئيسي في إضعاف قدرة النظام الصحي، الذي يعاني أصلاً من نقص في الموارد بسبب الحصار، على تقديم الخدمات الطبية الضرورية.
ويؤدي استهداف المستشفيات إلى تعميق الأزمة الإنسانية في غزة، نظراً لأن المستشفيات تشكل جزءاً أساسياً من البنية التحتية الإنسانية، فإن تدميرها أو تضررها يفاقم من معاناة السكان الذين يعانون من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية أصلا.
ويحظر القانون الدولي الإنساني استهداف المنشآت الصحية، ويشدد على ضرورة حماية المدنيين والعاملين في المجال الطبي أثناء النزاعات المسلحة.
ووفق لاتفاقيات جنيف، فإن المستشفيات والمراكز الطبية تعتبر "مناطق محمية" لا يجوز استهدافها، إلا في حالة استخدامها لأغراض عسكرية، وهذا يتطلب تحقيقات مستقلة لضمان صحة هذه الادعاءات.
انتقدت العديد من المنظمات الحقوقية، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، استهداف المستشفيات في غزة، ودعت إلى تحقيقات مستقلة في هذه الحوادث، كما طالبت الأمم المتحدة بوقف الهجمات على المنشآت الطبية وحثت الأطراف على احترام القانون الدولي.
أوضاع طبية كارثية
وقال الدكتور رامي العبادلة، مسؤول الصحة العامة في وزارة الصحة بغزة، إن نظام الرعاية الصحية يعمل في القطاع بأقل الإمكانيات، حيث تقلص عدد المراكز الصحية من 54 مركزا صحيا حكوميا إلى 11 مركزا تعمل بشكل جزئي ولا تغطي الخدمات الصحية لأنها تعرضت للدمار الجزئي، وتمت عملية إعادة تأهيل وتشغيل لبعض أقسامها فحسب.
وأوضح العبادلة في تصريح لـ"جسور بوست"، أن أكثر الخدمات الصحية تأثرا هي التي تقدم للنساء الحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة، والتطعيمات التي تقدم للأطفال، والعيادات التخصصية، وهذه الأوضاع لها تأثير سلبي كبير على جميع الفئات التي سبق ذكرها.
وأضاف: "الأمراض المزمنة تشمل مرضى الضغط والسكري والقلب والأمراض المناعية والأمراض الصدرية، وجميع هؤلاء المرضى كان يوجد لهم ملف طبي ومتابعة نصف شهرية، ويتم خلالها تقييم حالة المريض وعمل الفحوصات الخاصة بالمتابعة، ولكن كل ذلك لا يمكن توفيره بالوقت الحالي، إضافة إلى النقص الشديد بالأدوية الخاصة بهم، ما أدى إلى زيادة في أعداد الوفيات من هذه الفئة نظرا لنقص الخدمات والعلاج والأدوية".
ومضى العبادلة، موضحا: "بالنسبة للنساء الحوامل لا توجد متابعة أو تقييم لسلامة الأجنة طوال فترات الحمل، إضافة إلى نقص الأدوية المقوية، وهذا يؤدي إلى زيادة معدلات الإجهاض ووجود تشوهات خلقية لدى المواليد، وهي آثار سلبية على الأمهات والمواليد، خاصة الأجنة التي تحتاج إلى المكوث في أقسام الحضانة بالمستشفيات".
وتابع: "تم تدمير العدد الأكبر من المستشفيات، حيث يعتمد قطاع غزة في الوقت الحالي على مجمع ناصر ومستشفى غزة الأوروبي بالجنوب، والأقصى والعودة بالوسطى، والأهلي العربي، والصحابة، وكمال عدوان، والعودة بالشمال، وهذه المستشفيات بوضعها الحالي تمثل 15 بالمئة من قدرة وزارة الصحة الفعلية بغزة".
وأشار العبادلة إلى عدم قدرة هذه المستشفيات على تقديم كافة الخدمات الصحية، والاكتظاظ الكبير للمرضى داخل هذه المستشفيات بمعدل 5- 6 أضعاف قدرتها السريرية، حيث تحولت هذه المستشفيات إلى مستشفيات جراحية فقط، وعلاوة على ذلك تم اعتقال عدد كبير من الأخصائيين المميزين في مجال الجراحات العامة والتخصصية وخصوصا العظام وأطباء القلب وتمريض التخدير والعناية المركزة وغيرها.
وكشف المسؤول الفلسطيني عن استعانة وزارة الصحة في غزة بالمؤسسات التي تقدم الخدمة الصحية الأولية عبر نقاط طبية تنتشر بين خيام النازحين بقدرات محدودة جدا، بحيث يعمل في النقطة طبيب عام وممرض وكميات أدوية محدودة لا تلبي حاجة المرضى، دون وجود مختبرات أو مراكز أشعة للتشخيص، وذلك في ظل الدمار الشامل ونقص الكوادر ونقص الأدوية والمستهلكات الطبية.
كارثة محتملة
وحذر المهندس علاء أبو عودة، المدير العام لدائرة الهندسة والصيانة بوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، من وقوع كارثة قادرة على إصابة المنظومة الصحية بغزة في مقتل، بسبب توقف المولدات الكهربائية ونقص المستلزمات الطبية.
وقال أبو عودة عبر حسابه على منصة فيسبوك، إن جميع المستشفيات في سبيلها للتوقف والخروج عن الخدمة تباعا مع توقف المولدات الكهربائية، بسبب نقص الوقود وعدم السماح بإدخال المولدات الكهربائية وقطع الغيار والزيوت ومستلزمات الصيانة الطبية.
وقبل أيام وجهت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، ما سمته بـ"النداء الأخير" قبل توقف جميع المستشفيات عن تقديم الخدمات بمحافظتي غزة والشمال نتيجة عدم توفر الوقود.
وناشدت الوزارة الفلسطينية كافة المؤسسات المعنية والأممية والإنسانية بضرورة وسرعة التدخل لإدخال الوقود اللازم لتشغيل المولدات في المرافق الصحية.
وطالب الجيش الإسرائيلي، مؤخرا، 3 مستشفيات في شمال القطاع بالإخلاء بشكل كامل من المرضى والطواقم الطبية مهدداً باستهدافها، وكانت المستشفيات هي مستشفيات كمال عدوان، والإندونيسي، والعودة.
وتعمل المولدات في المستشفيات الفلسطينية بلا توقف منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية قبل أكثر من عام، في ظروف تشغيلية صعبة وأحمال مضاعفة، وغياب قطع الغيار والزيوت والفلاتر.
ومع تفشي فيروس كورونا مطلع عام 2020، قرر الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال أي من قطع الغيار والزيوت ومستلزمات عمل المولدات، وتضاعف الأمر بصورة لافتة بعد اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023.